مقدمة :

المذيع:
  بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وأهلاً مرحباً بكم مستمعينا الكرام في مجلس العلم والإيمان، مع فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، حياكم الله شيخنا، وأستاذنا.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم.
المذيع:
 في لقائنا الماضي كان حديثنا عن الإيمان، بين المفهوم وبين مظاهر ضعف الإيمان، اليوم نتحدث أكثر عن أسباب ضعف هذا الإيمان لنكون نحن وإياكم من عباد الله المؤمنين الذين:

﴿ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾

[ سورة البقرة: 38]

 بإذن الله، دكتورنا الفاضل نستأذن فضيلتكم أن نلخص أبرز ما كان في الحلقة الماضية، ونبدأ في تعريف الإيمان ما هو الإيمان؟

تعريف الإيمان :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 الحقيقة الدقيقة أن الإيمان تصديق وإقبال، جانب عقلي وجانب نفسي، تصديق وإقبال، وأن الكفران تكذيب وإعراض، الفكري تكذيب، والتكذيب عملي ونظري - نصي- لا تجد في العالم الإسلامي من يكذب بهذا الدين تكذيباً نصياً، هناك من يكذب عملياً حينما يأكل المال الحرام يكذب أحكام هذا الدين، والتكذيب العملي أخطر بكثير من التكذيب النصي.

ظواهر ضعف الإيمان :

1 ـ المعصية :

 لذلك في اللقاء السابق تمّ بفضل الله شرح حقيقة الإيمان، تصديق بما جاء به الأنبياء جميعاً، وما جاء به النبي الكريم من إيمان بوجود الله، ووحدانيته، وكماله، وأسمائه الحسنى، ورسله، وأنبيائه، ومنهجه الذي أمرنا الله به.
 وأما النوع الثاني فهو حقيقة الإيمان، وقد تحدثنا عن أسباب ضعف الإيمان، من هذه الأسباب أن يعصي المؤمن ربه، هذه ظاهرة من ظواهر ضعف الإيمان.
المذيع:
 المعصية إذاً هي علامة تدل على أن لدي مشكلة في إيماني.

2 ـ قسوة القلب :

الدكتور راتب :
 الظاهرة الثانية، قسوة القلب، لا يوجد قلب رحيم يقسو على من دونه.
المذيع:
 هل تشمل شيخنا قسوة القلب في العبادات، يصلي فلا يخشع؟ يقرأ القرآن فلا يشعر بشيء؟
الدكتور راتب :
 قال علماء كبار: من صلى ولم يشعر بشيء، وقرأ القرآن ولم يشعر بشيء، وذكر الله ولم يشعر بشيء، فليعلم أن لا قلب له.
المذيع:
 وهذا مظهر من ضعف الإيمان.
الدكتور راتب :
 هذا مؤشر لانعدام الإيمان أبلغ من ضعفه، صلى ما شعر بشيء، قرأ القرآن ما شعر بشيء، ذكر الله ما شعر بشيء قال: فليعلم أن لا قلب له.
 فقسوة القلب دليل ضعف الإيمان، لذلك الآية الأصل في الموضوع:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾

[ سورة آل عمران: 159]

 أي يا محمد بسبب رحمة استقرت في قلبك هذه الرحمة انعكست ليناً، فالتفوا حولك، لو كنت منقطعاً عنا لانقلب القلب قسوة، ولانعكست القسوة غلظة، وفظاظة، فانفضوا من حولك، إذاً قسوة القلب من مظاهر ضعف الإيمان.

3 ـ عدم إتقان العبادات و التكاسل عن الطاعات :

 عدم إتقان العبادات، يصلي كنقر الديك، يصلي متأخراً.
 لذلك ورد أنه من أخّر الصلاة عن وقتها أذهب الله البركة من عمره.
المذيع:
 هذا كلام لمن يؤخرها عمداً دكتور أم إن كان حاله التأخير؟
الدكتور راتب :
 عمداً، دخل لبيت يستطيع أن يصلي العشاء، سهر، مع مضي الوقت تعب، يمكن أن يلغي الصلاة أحياناً، أو يصليها صلاة غير معقولة، كنقر الديك.
 إذاً الآن عدم إتقان العبادات من مظاهر ضعف الإيمان، التكاسل عن الطاعات، أي كل شيء يأخذ الحد الأدنى منه، يأخذ الرخص، وقالوا: إن الإنسان إذا تصيد الرخص في كل المذاهب فهذه رقة في الدين.
المذيع:
 ويعد مظهر من ضعف إيمانه.
الدكتور راتب :
 لأننا في الشدة نأخذ بالرخص، ولا شيء علينا، في الرخاء نأخذ بالعزائم.
المذيع:
 لكن من يتصيد الرخص ولا يبحث إلا عنها علامة ضعف إيمان، نقاط بالغة الأهمية، أكرمك الله دكتور.
الدكتور راتب :
 دليل رقة الدين، ضيق الصدر، لا يوجد راحة نفسية، تكون أمواله طائلة، مركزه الاجتماعي قوي، مركبات أمام بابه، بيت فخم جداً، لا يوجد راحة نفسية، لذلك إن الله يعطي الصحة، والذكاء، والجمال للكثيرين من خلقه، ولكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين، المؤمن يتمتع بالسكينة، يسعد بها ولو فقد كل شيء، ويشقى بفقدها ولو ملك كل شيء، هذا ضيق الصدر، والآية تقول:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾

[ سورة طه:124]

 حتى أنا لي رأي آخر؛ كل ما يعاني منه المسلمون في شتى بقاع الأرض هو أعراض للإعراض عن الله، أنا أسميها أعراض الإعراض.
المذيع:
 وهي ضعف الإيمان، قد يقع أحياناً شيخنا الإنسان في هذه المظاهر ولا يلتفت أنها علامة لضعف الإيمان، الآن علينا أن ننتبه إلى هذه المؤشرات.

مؤشرات ضعف الإيمان :

الدكتور راتب :
 لابد من أن ينتبه لكل طارئ نفسي، أو اجتماعي، أو عقدي في حياته، وإلا يتفاقم، بالبداية سهل معالجتها، فإذا تفاقمت ترسخت.
المذيع:
 إذاً الهدف من مظاهر ضعف الإيمان أن يلتفت الإنسان إذا كانت في حياته ليبدأ معالجتها أو لا.
الدكتور راتب :
 سيدي، والله أنا الذي أراه إن سمحت لي أن الآيات التي تصف المؤمنين في القرآن لها وظيفتان خطيرتان، الوظيفة الأولى: أن يا مؤمن هذا حال الإيمان عند الله، هل هذا الحال ينطبق عليك؟ نقطة مهمة جداً، أعطاك هدفاً، هكذا المؤمن.

﴿ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾

[ سورة الأنفال:2]

 سمعت القرآن ما تأثرت أبداً، قرأت الذكر ما تأثرت، صليت ما تأثرت، يوجد مشكلة عندك، مشكلة كبيرة.

4 ـ عدم التأثر بآيات القرآن الكريم :

 الآن عدم التأثر بآيات القرآن الكريم، من مظاهر ضعف الإيمان، الغفلة عن ذكر الله، أي يجلس جلسة للساعة الثالثة بالليل، بأمور التجارة والبيع والشراء، ما خطر بباله أن يتحدث عن الله بكلمة، لذلك:

﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾

[ سورة الرعد: 28]

(( ما من قوم يقومون من مَجلس لا يَذكرونَ اللهَ فيه إِلا قاموا عن مثلِ جيفة حمارٍ))

[أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه]

المذيع:
 والعياذ بالله، أسأل فضيلتكم دكتور: حينما يغفل الإنسان عن ذكر الله، هل هو تقصير منه أم حجبه عن ذكره؟

أكبر عقاب يناله المؤمن أن يحجب عن الله :

الدكتور راتب :
 الله لا يحجب إلا لسبب، يوجد قاعدة أصيلة جداً، أية معصية، أو أي تقصير في طاعة، أو أي سوء ظن بالله، ينتهي بالحجاب عن الله، وأنا أقول لك: يكاد يكون الحجب عن الله أكبر عقاب على الإطلاق يناله المؤمن.

﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾

[ سورة المطففين:15]

المذيع:
 هل يمكن أن ينال المؤمن هذا العقاب؟
الدكتور راتب :
 طبعاً، مؤمن بالله، الإيمان عقدي، الإيمان نشاط فكري، مؤمن بالله، لكن عندما أعطى لنفسه شهواتها، لم يكفر، لم يلحد، لم يخرج من الملة، لكن يوجد تقصير.
المذيع:
 فعندما ارتكب معصيته بحق الله كان عقابه أن حجب عن الله، والعياذ بالله.
الدكتور راتب :
 أكاد أقول أكبر عقاب يناله المؤمن، يصيب المؤمن، أن يحجب عن الله، لذلك:

﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾

[ سورة المطففين:15]

المذيع:
 فيمكن أن يصلي، لكنه لا يدري ما هي الصلاة، لا يخشع، ولا يدرك حلاوة الإيمان، ولا أي شيء.

5 ـ الغفلة عن ذكر الله :

الدكتور راتب :

(( ليس كل مصلّ يصلي، إنما أتقبل الصلاة ممَّن تواضع لعظمتي، وكفَّ شهواته عن محارمي، ولم يصرَّ على معصيتي، وأطعم الجائع، وكسا العُريان، ورحم المصاب، وآوى الغريب، كل ذلك لي، وعزتي وجلالي إن نور وجه لأضوءأ عندي من نور الشمس))

[ أخرجه الديلمي عن حارثة بن وهب ]

 الصلاة قمة الدين، الصلاة عماد الدين، وعصام اليقين، وسيدة القربات، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات، فالغفلة عن ذكر الله، عدم الغضب إذا انتهكت حرمات الله، لا يغضب، تخرج زوجته إلى الشرفة لنشر الغسيل بثياب شفافة فاضحة، والبيت بين أبنية عديدة، لا يتأثر، المؤمن لا يحتمل هذا، أن تظهر زوجته بكل مفاتنها على الشرفة.
المذيع:
 هذا علامة ضعف الإيمان.
الدكتور راتب :
 ضعف شديد.
المذيع:
 وإذا كان عكسه فهي علامة إيمان، إذا غار على زوجته وأمرها ألا تخرج أمام الناس.

6 ـ يعيش لمصلحته و هوى نفسه :

الدكتور راتب :
 سيدي سأقول كلمة دقيقة: في حياة المؤمن كلمة لا، وهناك غضب لله، فرقٌ كبير بين أن تغضب لنفسك، أو أن تغضب لله، هناك رجل لو كان الملح قليلاً أو زائداً يقيم الدنيا ولا يقعدها، أما ابنته تظهر كل مفاتنها في الطريق فلا يتأثر، هذا غضب لنفسه، ما غضب لله.
 أيضاً من مظاهر ضغف الإيمان: يعيش لمصلحته، وهوى نفسه، عندك موظف فرضاً مقبل على زواج، وأنت ببحبوحة كبيرة، ساعده بشيء من أموال الصدقات، من أموال الزكاة، ساعده بشيء، لا يتأثر، يركز على ذاته، على مصالحه، على شهواته، على أهوائه، تقريباً هذا أفقر إنسان عند الله، يأتي يوم القيامة صفر اليدين.

﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ﴾

[ سورة الكهف:105]

المذيع:
 والعياذ بالله.

7 ـ إقرار الآخرين على معاصيهم :

الدكتور راتب :
 يوجد آية أخرى لهم:

﴿ صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ ﴾

[ سورة الأنعام: 124]

 إقرار الآخرين على معاصيهم، يوجد بالدائرة موظف كبير، وهناك موظف متعلق به، هذا الموظف ارتكب معصية صارخة الموظف الثاني، لم يتكلم كلمة واحدة، أي لا يوجد عنده رغبة ليتكلم الحق، لا يوجد عنده رغبة ليأمر بالعروف، وينهى عن المنكر، إقرار الآخرين على مصالحهم، حب الظهور.
أذكر أن شخصاً إن طلب منه جاره الحميم مبلغاً لأمر قاهر لا يعطيه، أما إذا كان بحفلة فيها تبرعات، وفيها ذكر، وثناء، يدفع مئة ألف، هنا يوجد ظهور، هنا يوجد المحسن الكبير، هناك جاره فقير، فهو بعيد عن أن يرى مراقبة الله له.
المذيع:
 ونعم بالله، كلها مظاهر مخيفة وإن كانت تدل على ضعف إيمانهم في هذه المراحل.

8 ـ الشح و البخل :

الدكتور راتب :
 الشح والبخل، يوجد عندنا مرض السرطان، يصيب الجسم وينهي حياته، أنا أرى كاجتهاد مني أن الشح والبخل مرض كالسرطان يصيب الإنسان، فينهي أعماله الصالحة، لذلك قال تعالى:

﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

[ سورة الحشر:9]

 أي أنت انتصرت على نفسك، الشح والبخل.

9 ـ النفاق :

 الآن عندنا نفاق اعتقادي، ونفاق عملي، وكلا النفاقين يدل على ضعف الإيمان، النفاق الاعتقادي جلسة كلها مؤمنين، ذكي جداً، لا يتكلم بقضية خلاف الدين، من أجل مكانته وسيطرته على المجلس، هذا نفاق اعتقادي، لك قناعات أخرى تتناقض مع الدين لا تتكلم بها بالجو العام، تجلس بجو آخر بعيد عن الدين، يتكلم بأشياء تظهر الدين أنه شيء ضعيف، انتماء شكلي، هو يعيق التقدم، يعيق النقد، هنا تتكلم شيئاً و هنا تتكلم شيئاً، بحسب مصالحك، هذا النفاق الاعتقادي، والنفاق العملي، أحياناً لصالحك أن تصلي، في مؤسسة، في بلد إسلامي الصلاة فيها إلزام، لصالحك أن تصلي، يمكن تصلي بلا وضوء.
أنا مرة كنت مسافراً بطائرة، صادفت امرأة ببلد إسلامي، حجاب كامل، طبعاً بالدرجة الأولى، أنا كنت بالدرجة الأولى، عندما وصلت إلى بلادها خلعت العباءة، وخلعت كل شيء، حتى خلعت الذي يستر يديها، شيء غير معقول! أنا سميته إسلاماً جغرافياً، هذا معلق ببلد معين، فإذا خرجت من هذا البلد لم يعد هناك إسلام إطلاقاً، هذه مشكلة كبيرة.

10 ـ الفرح بمصيبة المؤمنين :

 يوجد علامة نفاق مخيفة، الفرح بمصيبة المؤمنين، والدليل:

﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ﴾

[ سورة التوبة:48]

 حينما تفرح، أخوك المؤمن نال دكتوراه، تزوج زواجاً ناجحاً، اشترى بيتاً معقولاً، أنا أقول كمؤمن: تفرح له كفرحك لذاتك، لأن المؤمنين كتلة واحدة، الكل للواحد والواحد للكل، فإذا أخذ أخوك الدكتوراه تهنئه من أعماقك، أنت أصبحت قوياً به أيضاً، أخوك اغتنى، عنده شركة تجارية نجحت كثيراً.
المذيع:
 حينما لا تفرح لنجاح المؤمنين علامة نفاق وضعف إيمان.
الدكتور راتب :
 الدليل:

﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ﴾

[ سورة التوبة:48]

المذيع:
 يا الله! والعكس دكتور، لو أصابه مكروه أفرح بذلك.
الدكتور راتب :
 أما المؤمن الصادق فيفرح لفرح أخيه.
المذيع:
 الله يفتح عليكم دكتور.

11 ـ النظر إلى الأمور من زاوية واحدة :

الدكتور راتب :
 ينظر إلى الأمور من زاوية واحدة، فقط من زاوية الربح فقط، يمكن أن يكون هناك بضاعة لها أثر في ترسيخ دعائم الدين، المصاحف ربحها قليل جداً، لا يحضرها، أما إذا أحضرتها و لو كان ربحها قليلاً أنت تبيع مصحفاً، ينظر إلى الأمر فقط من حيث الربح، يمكن أن يتاجر بطاولات الزهر وهي محرمة، يقول: عليها طلب، هذه عليها طلب، هذه لا يوجد عليها طلب، فالذي يحركه مصالحه فقط، لا يوجد قيم ومبادئ، كلها علامات لضعف الإيمان.

12 ـ تحقير المعروف :

 الآن تحقير المعروف، تجد شاباً يجهد في خدمة أهل العلم، يستصغره، ضيعت حياتك، لا ينفعك هذا الشيء، ماذا تريد منهم، التفت لمصالحك.
المذيع:
 ألا ينطبق عليه دكتور:

﴿ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ ﴾

[ سورة الأعراف:45]

المذيع:
 هذا نوع مخفف، يزهدك بعملك الصالح، ما عندك بيت؟ شخص دعا إلى الله عز وجل، سعد بهذه الدعوة، ألا يوجد عندك بيت؟ بيتك صغير؟ لن تنفعك هذه الدعوة، مثبطون، وهناك أشخاص مشجعون.

13 ـ انفصام عرى الأخوة بين المؤمنين :

 الآن انفصام عرى الأخوة بين المؤمنين، يوجد حسد، مؤمن تحسده؟ ما أكل مالاً حراماً، ما أخطأ، إذا الله أكرمه ببيت ماذا عمل؟ إذا تزوج من امرأة والدها تاجر كبير، وأمن له بيتاً، لماذا تحسده؟ افرح له.
المذيع:
 الله يفتح عليكم دكتور، هذه مظاهر خطيرة تصيب المؤمنين، وعلى الإنسان أن يلتفت جيداً لها.

14 ـ شدة الفزع والخوف عند نزول المصيبة :

الدكتور راتب :
 شدة الفزع والخوف عند نزول المصيبة، أنا لي أقرباء بمصر، بزلزال القاهرة من شدة الخوف حملت وليدها الصغير الذي يرضع وانطلقت من بيتها إلى الطريق، ثم فوجئت أن الذي حملته حذاء زوجها، من شدة الفزع.
المذيع:
 لم تدرك، هذا شيخنا أليس هذا علامة خوف فطرية عند الأم على أبنائها؟
الدكتور راتب :
 الخوف دائماً، أقول لك كلمة دقيقة: نحن عندنا خط عامودي، عليه خطان أحمران أدنى وأعلى، ما دمت في هذا الموضوع النفسي الخوف ضمن الأدنى والأعلى طبيعي، أما أذا كان هناك خوف غير معقول فصار مرضاً نفسياً، وإذا قلّ لا يوجد خوف.
المذيع:
 مظهر ضعف الإيمان وكأنك لا تثق بالله، حالة الفزع الشديدة جداً.
الدكتور راتب :
 الكلمة الشائعة الآن انتهينا، لا لم ننته، هذا الدين دين الله عز وجل، والله عز وجل - يوجد نقطة دقيقة - لا يسمح لجهة مهما قويت، ومهما فسدت، ومهما تغطرست، أن تلغي هدايته لخلقه.
المذيع:
سبحان الله، الله يفتح عليكم دكتور.
 كان حديثنا في الأسبوع الماضي عن مظاهر ضعف الإيمان، وشيخنا الجليل أعاد بتوسع شرح هذه المظاهر، لنتحدث الآن في الملف الثاني من ملفات الإيمان، ألا وهو حديثنا عن أسباب ضعف الإيمان، دكتورنا الكريم مع فضيلتكم.

أسباب ضعف الإيمان :

1 ـ الابتعاد عن أجواء الإيمان فترة طويلة :

الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم.
 الحقيقة أحد أكبر أسباب ضعف الإيمان أن يبتعد الإنسان عن أجواء الإيمان فترة طويلة، أن تبتعد عن المساجد، عن خطب الجمعة، عن دروس العلم، عن اللقاء مع المؤمنين، عن صحبة العلماء الربانيين، عن صحبة الأولياء الصالحين.

﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾

[ سورة يونس:62 ـ 63]

 أن تبتعد عن هذه المنارات، عن هذه المشجعات، عن هذه القنوات الموصلة إلى الله عز وجل، الآن يقول النبي الكريم:

(( من ترك الجمعة ثلاث مرَّات تَهاوُنا بها طَبَعَ الله على قلبه ))

[أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي عن أبي الجعد الضمري]

 لأن هذه الجمعة عبادة تعليمية، ينفرد بها هذا الدين، عبادة تعليمية، فهذا الخطيب لو ذكر آية واحدة وشرحها صحت الخطبة، لو ذكر حديثاً شريفاً وشرحه، فأنت بحضور الخطب على صلة مع حقائق الدين الأسبوعية، ممكن أن تكون يومية دروس علم، في درس الفجر عند العالم الفلاني، ودرس المساء، أما الحد الأدنى الأدنى الأدنى فهي خطبة الجمعة، الحد الأدنى من طلب العلم حتى هذا الطلب كان على شكل عبادي، فمن ترك الجمعة ثلاث مرات نكتت نكتة سوداء في قلبه.
المذيع:
 إذاً نحن دكتور تحدثنا عن المظاهر والمؤشرات التي تدل على وجود ضعف في إيماني الآن نتحدث عن الأسباب التي تؤدي إلى حدوث هذه المظاهر، الأول الابتعاد عن مجالس العلم.
الدكتور راتب :
 عن مجالس العلم، عن القرآن، عن صحبة صالحة، عن دعاة إلى الله.
المذيع:
 في ظل انشغالاتنا دكتور لا يستطيع الإنسان أن يتفرغ للدروس والمساجد.

ضرورة تنظيم الوقت :

الدكتور راتب :
 لابد من تنظيم الوقت، وأنا أؤكد لك أن تنظيم الوقت يمكن أن تحقق فيه كل أهدافك، عندنا شيء اسمه إدارة الوقت، لابد من أن تقعد مع زوجتك في الحد الأدنى نصف ساعة كل يوم تستمع إليها، لا بد من أن تقعد مع أولادك، ترى مشاكلهم بالمدرسة، لابد من أن تقعد مع شريكك بالعمل، فأنت لا بد لك من تنظيم الوقت، هذه تسمى إدارة الوقت.
المذيع:
 هل مجالس العلم عبر الوسائل الإلكترونية تقبل دكتور مثلاً أم في بيتها لا تستطيع الخروج، أو رجل مشغول بالسيارة يستمع إلى درس.

مجالس العلم عبر الوسائل الإلكترونية مجالس ناجحة جداً :

الدكتور راتب :

 والله أنا أراها ناجحة جداً، لكن:

(( لو بقيتم على الحال ))

 يوجد نقطة دقيقة جداً جداً جداً: واحد من الصحابة التقى بالصديق رضي الله عنه، قال له: نافق حنظلة، قال له: ولِمَ يا أخي؟ قال له: نكون عند رسول الله ونحن والجنة كهاتين فإذا عافسنا الأهل ننسى، من شدة أدب سيدنا الصديق قال له: أنا كذلك يا أخي، انطلق بنا إلى رسول الله، فلما التقوا بالنبي الكريم، قال:

(( أما نحن معاشر الأنبياء فتنام أعيننا، ولا تنام قلوبنا، أما أنتم يا أخي فساعة وساعة، ولو بقيتم على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة، ولزارتكم في بيوتكم ))

[أخرجه مسلم عن حنظلة]

 معنى ذلك أن الإنسان في الجامع له حال مع الله، بدرس علم له حال مع الله، بلقاء مع داعية بالبيت له حال مع الله، هذا الحال مهم جداً، والحقيقة وكلمة دقيقة أقولها أرجو أن تفهم كما أريد: حال واحد في ألف خير من ألف قائل في واحد.
المذيع:
نوضحها سيدنا بعد إذنك؟
الدكتور راتب :
 حال واحد في ألف، أي موصول بالله، إذا جلس جلسة يذهب المشاعر، أولياء أمتي إذا رؤوا ذكر الله بهم، له حال مع الله، فحال واحد في ألف خير من قول ألف في واحد، ألف قائل فصاحة، وأحكام تجويد، وطلاقة لسان، وشواهد، وشعر، لكن هو ليس مع الله تماماً، فحال واحد في ألف أفضل من قول ألف في واحد، هذا الحال، لكن الحال له مشكلة كبيرة، أي إنسان يدعي الحال، دخلنا في متاهة، لذلك العلم حكم على الحال، ماله حرام، يغش بتجارته، الغش ألغى دعواه، ألغى دعواه كلياً.
المذيع:
 الله يفتح عليكم دكتور.
 إذاً هذا سبب من أسباب ضعف الإيمان الابتعاد عن مجالس العلم، ومجالس الذكر.
الدكتور راتب :
 والحديث :

(( من ترك الجمعة ثلاث مرَّات تَهاوُنا بها طَبَعَ الله على قلبه ))

[أبو داود والترمذي والنسائي عن أبي الجعد الضمري]

المذيع:
 هل لنا أن نتحدث عن سبب آخر يؤدي إلى ضعف الإيمان في قلوبنا، وفي العلاقة التي تربطنا بخالقنا عز وجل وهو سبب خلقنا أن نعبده سبحانه وتعالى.
الدكتور راتب :
 لكن كتعليق سريع: أنت إذا حضرت خطبة إسلامية في جامع، يصير عندك شحن روحي وشحن علمي، كهذا الهاتف تماماً، إن لم تشحنه ينقلب إلى قطعة بلاستيك لا تساوي شيئاً، فأنت بحاجة إلى شحن، أنا أرى أن درس العلم، اللقاء مع العلماء، الجلسة الإيمانية، سماع خطبة، تشحنك سنتين، شحنة علمية غذاء لعقلك، وشحنة روحية غذاء لقلبك، والإنسان عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك، غذاء العقل العلم، وغذاء القلب الحب، وغذاء الجسم الطعام والشراب.
المذيع:
الله يفتح عليكم يا دكتور.
 من أسباب ضعف الإيمان أيضاً التي يرغب الدكتور محمد راتب النابلسي الإشارة إليها غير حديثنا عن قلة مجالس العلم، والابتعاد عنها.

2 ـ الابتعاد عن القدوة الصالحة :

الدكتور راتب :
 الابتعاد عن القدوة الصالحة، له أصدقاء ليسوا ملتزمين، هؤلاء يغرونه بالمعاصي.
 أنا أذكر قصة أن إنساناً مدمن خمر، ذهب إلى بيت الله الحرام، وتاب توبة نصوحة، عاد إلى بلده، هو من حلب، بقي مجتمعاً مع أصدقائه السابقين، مرة وزع الخمر فامتنع، فقال له أحدهم: حجتك كم كلفتك؟ كانت قد كلفته مبلغاً كبيراً، قال له: خمسون ألفاً، كان الدولار بثلاث ليرات سورية، قال له: هذه خذها مني- عمل له شيكاً - واشرب، شرب، مات بعد اثني عشر يوماً، مات شارب خمر.
 فالصاحب ساحب، ما لم يكن الذين حولك أناس مؤمنون لا يمكن أن تستطيع متابعة دينك، لذلك:

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾

[ سورة الكهف: 28]

فالصاحب ساحب، والآية الأصل:

﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة : 119]

 هذا الصديق المؤمن ينهض بك إلى الله حاله، ويدلك على الله مقاله.
 يوجد حالة دقيقة جسماً اسمها: تبادل المشاعر، بمعنى التخاطر النفسي، أنت تقعد مع شخص تحبه، يتكلم، ويتحرك أمامك، يوجد شيء ثالث لا تراه بعينك، مشاعره تنتقل إليك، قيمه تنتقل إليك، لذلك أولياء أمتي إذا رؤوا ذكر الله بهم، أحياناً تزور شخصاً متفلتاً، يغير ثيابه، كان بثياب لا تليق به، غيّر ثيابه، قعد بأدب، أولياء أمتي إذا رؤوا ذكر الله بهم، هذه نقطة دقيقة جداً، فالابتعاد عن القدوة الصالحة، أصدقاؤه من أهل الدنيا، من أهل الفجور، أهل المعاصي والآثام، وكل شخص يتكلم عن وسائل معصيته لله بشكل مغر، سأقول كلمة دقيقة: سافرت إلى أمريكا، الذي أجده أمامي مؤمناً، لكن ألف معاصيهم، لفترة أنكرها، لفترة سكت عليها، لفترة ألفها، لفترة اقتنع بها، لذلك من أقام مع المشركين - إقامة دائمة- برئت منه ذمة الله، أنا أقول لك كلمة دقيقة.
المذيع:
 لو كان هناك دكتور حتى مع المسلمين الذي يعيشون في الجاليات الإسلامية.
الدكتور راتب :
 هذا قديماً، كلامي قديم، الآن الجاليات تجتمع بمكان واحد.
المذيع:
 ولهم مساجدهم، ودور القرآن، لا يشملهم هذا.
الدكتور راتب :
 الآن وضع آخر، أما سابقاً فأنت قاعد بين أسر التفلت، فمن أجل أن تجاريهم، أولاً بالتسلسل، أول شيء تنكر عليهم ستة أشهر، ثم تسكت، ثم تتفهم أحوالهم، ثم تثني، ثم تفعل مثلهم.

إيجابيات بلادنا لا تقدر بثمن :

 كنت أقول كلمة: لو بلغت منصباً ككلينتون، وثروة كأوناسيس، وعلماً كأنشتاين، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس.
 كنت في أستراليا، في الحقيقة من أجمل بلاد العالم، هي قارة كبيرة، فيها ثمانية عشر مليوناً، الفواكه، عمر التربة مئتا عام فقط، عمر الترب عندنا ألفا عام، والله رأيت فواكه حجمها غير معقول، أكلت فواكه لم أتذوقها في حياتي ببلد آخر، خيرات لا يعلمها إلا الله، في اليوم الذي أردت أن أغادر فيه أستراليا يقول لي رئيس الجالية الإسلامية، شخص محترم جداً، ومثقف ثقافة عالية، قال لي: بلغ أخواننا بالشام أن مزابل الشام خير من جنات أستراليا، كلام غير معقول، يعيشون بجنة، قلت له: اشرح لي؟ قال لي: ابنك بأستراليا خمسون بالمئة ملحداً، وخمسون بالمئة شاذاً، وإن لم تصدقني اسأل غيري، صرت أكتشف إيجابيات بلادنا، عندنا الأب أب، والابن ابن، والأخت أخت، وهناك تواصل أسري، وتعاطف.
 مرة شاب مقيم بأمريكا، استاذن والده بالزواج من فتاة من أبناء الجوار، قال له: لا يا بني، إنها أختك وأمك لا تدري، يبدو أن له علاقة مع أمها، فلما استأذنه بفتاة أخرى قال له: إنها أختك، وأمك لا تدري، فلما اشتكى إلى أمه، قالت له: خذ أياً شئت فأنت لست ابنه وهو لا يدري.
 أين نحن! تجد أسراً متماسكة، يوجد قيم، ومبادئ، ومحبة، وعطف، كم أب باع بيته بالمدينة عندنا وسكن بالريف ليزوج أولاده؟ والله عشرات الألوف، يبيع بيته بأرقى حي بدمشق، و بشتري خمسة بيوت بالريف، يسكن بواحد ويعطي البيوت المتبقية لأولاده، كل واحد ببيت ويزوجهم كلهم.
أنا أقول: يجب أن نرى إيجابياتنا، ألا نجلد ذاتنا، يقول لك: أنت لا شيء أمامه، لا أنا كل شيء، وعندي مليون إيجابية بحياتي.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور.
 تحدثنا في حلقتنا الماضية عن معنى الإيمان، وعن مظاهر ضعفه التي على الإنسان أن يلتفت إن كانت فيه أو لا، وأعاد فضيلة الدكتور في مطلع هذه الحلقة، وحديثنا لا زال مسترسلاً عن أسباب ضعف الإيمان، وتحدث الشيخ عن أهم سببين يؤدون إلى ضعف إيمان الإنسان أن يهجر مجالس العلم والذكر، والله سبحانه وتعالى، والحاضنة السيئة التي تحيط بالإنسان فتدفعه إلى السوء.
 نتحدث مع فضيلتكم عن أسباب ضعف الإيمان والسبب الثالث.

3 ـ الابتعاد عن طلب العلم الشرعي :

الدكتور راتب :
 الثالث: الابتعاد عن طلب العلم الشرعي، كل معلوماته دنيوية، معلومات حياتية دنيوية، معه دكتوراه مثلاً بالجولوجيا، دكتوراه بالفيزياء، هذا علم ليس له علاقة بالدين.
المذيع:
 هذا جيد لكن ألا يقتصر عليه.
الدكتور راتب :
 هذا علم دنيوي، هذا علم من أجل الرزق، و لكن هناك علم من أجل سعادتك الأبدية.
 مثلاً، لو أنا أطلعني طبيب على تخطيط قلب، أنا كإنسان متخصص بالأدب العربي أرى خطوطاً منكسرة، أما الطبيب فيقرأ هذا التخطيط قراءة أخرى، يرى أن هناك ضعفاً بالعضلة، و خوارج انقباض، و سرعة بالنبض، يستنبط من هذا التخطيط حوالي عشرة مظاهر سلبية للقلب، أنا لا أفهم منه شيئاً، فأنا أقول: أنا أميّ في فهم تقرير القلب، وتخطيطه، وقد يكون الطبيب أميّاً في الدين، أما إنسان أخذ دكتوراه بعلم دنيوي يظن أنه بلغ العلم كله فهذا خطأ كبير.
 أنا أقول كلاماً دقيقاً: هذا المظلي يريد أن ينزل بالمظلة، لا يعرف شكل المظلة، قد يكون دائرياً، أو بيضوياً، أو مستطيلاً، لا يعرف، لا يعرف من أي نوع من الخطوط صنع قماشها، لا يعرف كم حبل فيها، ألوان الحبال، قد يجهل خمسين معلومة، لكن بوجد معلومة واحدة إذا جهلها نزل ميتاً، طريقة فتحها.
 العلماء عبروا عن هذه، قالوا: علم يجب أن يعلم بالضرورة، مهندس، طبيب، رائد فضاء، لابد من أن تعرف هذه، وإلا فأنت أميّ في الدين، أنا أقول: العلم الحد الأدنى أركان الإيمان، وأركان الإسلام، والأحكام الشرعية المتعلقة بحرفتك، هذا يجب أن يعلم بالضرورة، مهما كان الإنسان متفوقاً بعلمه.
المذيع:
 هذا أساس لكل مسلم.

4 ـ وجود المسلم في وسط يعج بالمعاصي والآثام :

الدكتور راتب :
 فالابتعاد عن طلب العلم الشرعي، يجب أن يكون هناك حد أدنى.
 يوجد أشياء أخرى: وجود المسلم في وسط يعج بالمعاصي والآثام.
 أروي طرفة: شخص دخل لمكان، وجد بالطابق العلوي امرأة شبه عارية، فقال: أعوذ بالله نظر إلى الأسفل رأى امرأة تشبهها، على اليمين كذلك، وعلى اليسار كذلك، قال له أحدهم: ما الذي أتى بك إلى هنا؟ هذا ليس مكانك.
 يوجد أماكن ليست للمؤمنين، بأيام العطل النساء متفلتات، والضحك بصوت عال، وأكل، وشرب، وأحياناً مزاح لا يرضي الله، ويجلسون كلهم مع بعضهم، المؤمن له أذواق أخرى، والله يتمتع المؤمن بأذواق جمالية لا يعرف أهل الدنيا واحداً بالألف منها، يخرج أحدهم نزهة، لكن بمكان بعيد عن الضجيج، مكان هادئ، معه وسائل المكان، ممكن، أنا أعرف الإنسان اتجاهه من نزهته، يوجد نزهة شريفة، بمكان جميل، مطل على منظر جميل، معه كراسي، معه طعامه، يمضي يوماً من أجمل أيام حياته، لكن لا يوجد معاص وآثام.
المذيع:
 لو كان يحيط به الناس مثلاً دكتورنا منتزه عام، أو شاطئ عام، لكنه لا يشارك في هذه الأخطاء.
الدكتور راتب :
 تماماً، يجب أن يكون هناك القليل من الاستقلالية، بنفس المكان صعب جداً.
 أنا كنت بالخليج، ابني دعاني إلى مكان، غرف من القماش، مطلة على منظر جميل، منظر جميل لا يوجد فيه أية مخالفة.
المذيع:
 هذا شيخنا منتشر بكل الدول العربية.
الدكتور راتب :
 الآن حتى أطمئن أخواننا المستمعين، مع اتساع رقعة الإسلام، والمتدينين، صار هناك قوة شرائية يملكها المؤمن، الآن يوجد الكثير من الأشياء تنفذ لهم، مثلاً مطعم لا يبيع الخمر إطلاقاً، مكتوب لوحة: ممنوع شرب الخمر بأمر الرب، والرزق على الله، هذا المطعم بحلب من الساعة العاشرة لا يوجد مكان فارغ حتى الثانية عشرة ليلاً، بدأ غير المسلمين يقلدونه، ممنوع شرب الخمر بأمر الرب.
المذيع:
 دكتورنا، أيضاً ماذا تدل مستمعينا الكرام على الأسباب التي تؤدي إلى ضعف الإيمان كي نحذر من الوقوع بها.

5 ـ الانشغال بالشأن الخاص فقط :

الدكتور راتب :
 الانشغال بالشأن الخاص فقط، بماله، وزوجته، وأولاده، هذا ليس سيئاً، لكن أن تكتفي به أين الشأن العام؟
المذيع:
 إذا أنا بدأت باهتمامي ببيتي ومستقبلي، لكن عليّ بعد ذلك أن أنتقل إلى الأمة.
الدكتور راتب :
 لا بد من أن تنتقل للشأن العام، أقول لك كلمة، وقد تكون لها عبرة: في بلاد أصابها ما أصابها، الأكثرية انسحبت من الشأن العام، قالوا: لا دخل لنا، فخار يكسر بعضه، من أخذ أمي صار عمي، سلامتك يا رأسي.
المذيع:
 هذه كلها أمثلة من الشام قد تكون جديدة علينا بالأردن.
الدكتور راتب :
 كلها انسحاب من الشأن العام، الانسحاب من الشأن العام خطأ كبير، كبير، كبير.
المذيع:
 الله يفتح عليكم دكتور.
 ماذا تدل أيضاً مستمعينا الكرام شيخنا الكريم؟

6 ـ طول الأمل :

الدكتور راتب :
 طول الأمل.
المذيع:
 ما المقصود بذلك؟
الدكتور راتب :
 والله هذه قصة لا أنساها أبداً، التقيت مع إنسان، قال لي: أنا خطتي كمايلي، هو أخذ موافقة للسفر إلى بريطانيا، قال لي: أبقى بها ثلاث سنوات، و لن آتي إلى هنا مدة خمس سنوات- إلى الشام- سأمضي مرة بإيطاليا، مرة بألمانيا، مرة بإنكلترا، مرة ببلد آخر نسيته والله، قال لي: أطلع على فنونها، على متاحفها، على مقاصفها، على جمالها، ذكر والله خلال ربع ساعة مشروعه لعشرين سنة، قال لي: عندما أرجع سأشتري محلاً تجارياً، أبيع التحف، التحف ليس لها إشكال، ولا استهلاك لها بوقت معين، وسأربي أولادي، أنا أذكر تماماً سمعت مشروعه لعشرين سنة قادمة، هذا صباحاً، كان عندي درس بمدرسة بمركز دمشق، وأنا في عودتي إلى البيت رأيت نعوته على الجدران، بنفس اليوم والله، سمعت منه كلاماً كان مدير ثانوية، تكلم لي عن مشاريعه، أنا كنت مدرساً عنده، أخذ إعارة للجزائر، وله معاش مضاعف، وسيسافر بالعطلة لفرنسا، ومرة لبريطانيا، ومرة لإيطاليا، و يرى معالمها، يرجع يشتري بيتاً، ويؤسسه، أعتقد أني قرأت نعوته إما نفس اليوم أو في اليوم الثاني.
 هذه نقطة دقيقة جداً سيدي، هذا الأمل.
المذيع:
 حينما يسوف الإنسان ويطيل الأمل في هذه الدنيا.
الدكتور راتب :
 لذلك؛ هلك المسوفون، الحقيقة أن الإنسان فيه مجموعة معلومات، ما لم يصل إليها يخبط خبط عشواء، كلمة دقيقة، الله قال:

﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

[ سورة الملك :22]

 أن أصور الموضوع هدفاً واضحاً وضوحاً رائعاً، و أرى أن الطريق واضح، والسير حثيث، الآن هذا العمل فيه راحة نفسية.
 أقول لك كلمة دقيقة: معظم الناس عندهم كآبة، الكآبة تتنامى مع أعمارهم، حقق مثلاً مشروعاً ضخماً، دخله كبير، بيت مرتب، أثاثه درجة أولى، سيارتان أو ثلاث، نزهات، سفريات، حفلات، لقاءات، ولائم، ما هذا الموت؟ الموت تحت الأرض، متر ونصف، متران، بسبعين سنتمتر، هذا الموت مرعب بالنسبة له، هذا الموت ينغص له كل حياته، هذا الموت يعمل كآبة متنامية مع الزمن.
 لذلك الكآبة مرض العصر، الكآبة أسبابها الموت، ما هو الموت؟ يأتي المؤمن لأنه آمن بالآخرة، آمن بالجنة، له ثقة بالله، يقترب أجله، يصيح قبل أن يموت صيحة يقول: لم أرَ شراً قط، يأتي لغير المؤمن يصيح صيحة ويقول: لم أرَ خيراً قط.
 فالدنيا ساعة اجعلها طاعة، والنفس طماعة عودها القناعة.
 أنا الذي أتمنى أن يكون واضحاً، أن الإنسان بأدق تعريف للإمام الحسن البصري بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه.
المذيع:
 نسأل الله أن يعيننا على حسن ذلك إن شاء الله، نختم لقاءنا مع فضيلتكم دكتور بدعاء، ونسأل الله القبول، وأن تكون ساعة إجابة.

الدعاء :

الدكتور راتب :
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، احقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم بالشام.

خاتمة و توديع :

المذيع:
 الحمد لله رب العالمين، نور الله قلبكم بالإيمان، وزادكم من علمه، ومن فضله شيخنا الجليل فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي.
 إذاً هي سلسلة حلقات متتالية عن الإيمان، بدأناها بالأسبوع الماضي حينما تحدثنا عن مفهومه، وعن مظاهر ضعف الإيمان، وأعاد فضيلة الشيخ جزاه الله خيراً في مطلع هذه الحلقة الحديث عن مظاهر ضعف الإيمان، حتى يلتفت الإنسان إذا وجد مظهراً منها في حياته إلى ضرورة معالجته، ثم تحدثنا عن الأسباب التي تؤدي بالإنسان أن يقع في ضعف الإيمان، لقاؤنا في الأسبوع المقبل بحول الله عز وجل نتحدث فيه عن علاج ضعف الإيمان، كونوا معاً دائماً وأبداً مع الدكتور محمد راتب النابلسي.
 سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته